تعزيز الكازينوهات كاستثمار مشرق في الإمارات

تسعى الإمارات لتغيير قواعد اللعبة الاستثمارية والترفيهية على حد سواء وذلك باتخاذها خطوة جريئة وغير مسبوقة من خلال إعطاء ترخيص لإحدى أكبر شركات القمار العالمية، شركة "وين ريزورتس" كأول كازينو تجاري على أرضها. لاقت هذه الخطوة ردود فعل متفاوتة حيث أعلن الكثيرين بالرضا والتفاؤل عن هذه الخطوة باعتبارها حجر أساس لاستثمار جديد وحقبة قادمة من ترفيه غير مسبوق. بينما أعرب البعض الآخر عن بعض المخاوف المتعلقة بفقدان الهوية العربية الإسلامية. بين مؤيد ومعارض وبين عوائد استثمارية ضخمة والحفاظ على الهوية العربية الإسلامية، تقف الإمارات لتدرس الموقف سعياً إلى مستقبل مشرق بريادة غير مسبوقة.

 

ألعاب الكازينو تتخطى مجال الترفيه

  ترى الإمارات أن الكازينوهات بشكل عام ليست مجرد مكان للترفيه واستقطاب اللاعبين المهتمين بهذا النوع من الألعاب. ولكنها تسعى لأن تكون تلك الكازينوهات مركز أساسي للسياحة والترفيه العالمي باعتبار الإمارات بؤرة التكنولوجيا والترفيه على مستوى العالم. وقد جاءت هذه الرؤية ضمن مجموعة من التسهيلات القانونية التي قامت الإمارات بالإعلان عنها شمت إباحة الكحول والنظر في قوانين تحريم ممارسة ألعاب المراهنات والكازينوهات سواء الفعلية أو الإلكترونية. وعلى نفس المِنوال، أعلنت "وين ريزورتس" عن إنشاء أكبر منتجع سياحي ترفيهي فاخر في جزيرة المرجان برأس الخيمة بتكلفة تصل إلى 5.1 مليار دولار، وإعلان افتتاحه عام 2027. وقد توقع الخبراء وأعلن المسئولين عن إيرادات المشروع المتوقعة والتي قد تصل إلى 6.6 مليار دولار، وهو ما يفوق عائدات كازينوهات سنغافورة. بينما سيضم المشروع الكثير من المرافق السياحية والترفيهية الأخرى حيث سيحتوي على أكثر من ألف غرفة فندقية وصالات مؤتمرات وألعاب وأكثر من ممشى سياحي للتسوق. لذلك، لا يُمكن القول بأن الإمارات تنظر لألعاب الكازينو على أنها مجرد جزء من مجال الترفيه، ولكن تسعى الإمارات إلى أن تحقق عائدات استثمارية واقتصادية من قطاع القمار وألعاب المراهنات تصل إلى 1.3%  من إجمالي الناتج المحلي للإمارات. تضع هذه الرؤية الإمارات ضمن قائمة البلاد الرائدة في مجال الترفيه والسياحة والاستثمار في آن واحد.

 

تحديات مجال الكازينوهات في الإمارات

أثار اهتمام الإمارات بفتح الأبواب للكازينوهات وإعطاء التراخيص وتوفير تسهيلات ضخمة لهذا القطاع الكثير من التساؤلات والتحديات المشروعة. انقسمت هذه التحديات والتساؤلات إلى الكثير من الفئات حيث ينظر البعض إلى مجال الكازينوهات وألعاب المراهنات والقمار باعتبارها خطر سيؤثر بالسلب على الهوية الثقافية والدينية للدولة وذلك نظراً لتحريم القمار وألعاب المراهنات والكازينوهات في الشريعة الإسلامية التي تشكل أهم جوانب النظام التشريعي والقانوني في دول الخليج بشكل عام والإمارات بشكل خاص. بينما يرى البعض الآخر بأن هذا المجال سيفتح الأبواب أمام استخدام الكازينوهات كوسيلة لغسيل الأموال واستقطاب عملاء غير شرعيين وتحويل أموال غير مشروعة إلى أموال قانونية. إن الأبعاد الثقافية والاجتماعية تأخذ نصيب الأسد عند النظر في التحديات التي تواجه الإمارات فيما يتعلق برؤيتها نحو مجال الترفيه والكازينوهات.

 

استراتيجية مواجهة التحديات الثقافية والاجتماعية

إن التحديات الثقافية والاجتماعية من شأنها أن تمثل عائق أمام أي بلد إسلامي عند محاولة فتح المجال أمام مشروعات إنشاء الكازينوهات على أراضي إسلامية. ولكن، تمتلك الإمارات رؤية وبصيرة واستراتيجية متكاملة لتحقيق النجاح والتكافؤ والتكامل فيما يتعلق بجميع التحديات الخاصة بمشروعات الكازينوهات في الإمارات. حيث بالفعل قامت الإمارات بإنشاء هيئة عامة لتنظيم الألعاب التجارية في عام 2023. تقع على الهيئة مسئولية وضع الإطار الإشرافي والرقابي والقانوني لجميع شركات القمار والكازينوهات التي تود أن يكون لها نصيب في سوق الإمارات. حيث يجب أن تمتثل تلك الشركات سواء الفعلية أو المنصات الرقمية إلى مجموعة من المعايير أهمها الحفاظ على أمان وسرية معلومات العملاء وضرورة توفير مختلف الأدوات والاستراتيجيات والتعليمات والتوجيهات إلى العملاء واللاعبين لمساعدتهم في ربح الأموال والاستمتاع بتجربة استثنائية. على الصعيد الآخر، تهتم تلك الهيئة أكثر اهتمام بالألعاب المقدمة في الكازينوهات حيث يحب أن تمتثل تلك الألعاب بالمرونة والحيادية والموضوعية وأيضاً توفير تجربة لعب حية ومباشرة في مختلف ألعاب المراهنات والكازينوهات لمقابلة احتياجات العملاء واللاعبين وتخطي توقعاتهم. في حال امتثال شركات القمار أو المنصات الرقمية إلى المعايير المنصوص عليها، يتم إعطاء التراخيص اللازمة لمزاولة الألعاب في الإمارات. تم بالفعل إصدار ترخيص لمشروع جديد بالقرب من شاطئ جميرا في دبي. كما تم منح أول ترخيص لليانصيب تحت اسم "UAE Lottery"، ولازالت الهيئة تبحث في الشركات المنافسة التي تسعى للدخول بقوة في هذا المجال الواعد.

السعودية كنموذج منافس للإمارات

اتخذت الإمارات الخطوات الرائدة في مجال الترفيه والكازينوهات في سياق تنافسي مع الخطوات التي قامت السعودية باتخاذها عام 2023 حيث ضمت السعودية ضمن رؤية 2030 قطاع كامل متخصص في تعزيز الترفيه والسياحة والاستثمار من خلال تسهيلات قانونية وتشريعية خاصة بالكازينوهات. يرى الخبراء بشكل عام منافسة ضخمة ضمن دول الخليج وعلى رأسهم السعودية والإمارات نظراً لامتلاكهما رؤية ثاقبة وإمكانيات ضخمة وموارد بشرية على أعلى مستوى من الكفاءة وذلك بهدف تعزيز دور السياحة والترفيه ضمن أهم عائدات الناتج المحلي الإجمال، لاسيما مع تراجع النفط كمصدر دخل أساسي.

 

خاتمة: السعي للطموح أم الحفاظ على الهوية؟

مع الخطوات الجريئة السريعة والتغييرات غير المسبوقة والرؤية الثاقبة والعولمة، لازالت الإمارات تقع على حافة الحفاظ على الهوية أم الطيران مع الطموح. تسعى الإمارات إلى تحقيق التوازن بين الطموح العالمي لتكون البلد الرائد في مجال الترفيه ولتفتح الأبواب أمام الكازينوهات الفعلية بإنشاء منتجعات ومراكز للألعاب وأيضاً تعديل قوانين الكازينوهات الرقمية لتوفير تجربة ألعاب استثنائية لأي لاعب في العالم، كما تسعى أيضاً إلى البقاء على الهوية العربية الإسلامية بوضع حدود وتقييدات على مجموعة من الأعراف والتقاليد العربية. هل يُمكنها النجاح؟ هل ستصمد أمام التحديات؟ التكهنات كثيرة والمستقبل لازال يحمل في جعبته الكثير من المفاجآت.